Thursday, October 18, 2012

"غش الزوجية".. عن خطيئة تمصير الفيلم الأمريكي ثم أمركته من جديد!



نشر المقال في جريدة القاهرة بتاريخ 24 يوليو 2012


رمضان في مصر هو شهر معادي للسينما بكل المقاييس. ربما للازدحام الطبيعي لجدول المواطن المصري خلال اليوم الرمضاني، أو لارتباط الشهر التاريخي بصناعة الدراما التلفزيونية التي تجعل الكتلة الأكبر من حجم التلقي الدرامي ـ المحدود بالأساس ـ تتجه تلقائيا إلى متابعة المسلسلات التلفزيونية.

إذا أضفنا لذلك حقيقة كون هذا الموسم التلفزيوني موسما استثنائيا نظرا للعدد الكبير من نجوم الشباك السينمائيين الذين قرروا اللعب في المضمون والاتجاه للشاشة الصغيرة، وحقيقة أخرى تتعلق بتغير أجندة اهتمامات المصريين بشكل عام لتنحو إلى السياسة أكثر بكثير مما كانت عليه من قبل، فالنتيجة النهائية هي أننا سنقضي شهرا كاملا خاليا من السينما سواء في القاعات التي يتعمد أصحابها عدم عرض أي أفلام جديدة خلال الشهر، أو في ساحات النقد والنقاش الفنية التي تدير ظهرها للشاشة الكبيرة مؤقتا حتى يحين موعد العودة مع انطلاق موسم عيد الفطر.

الواقع السابق قد يكون عامل ظلم لبعض الأفلام التي بدأ عرضها التجاري قبل شهر رمضان بقليل، والتي وجد أصحابها أنفسهم مستبعدين من المنافسة سريعا مع بدء الشهر، وحتى عند عودة المنافسة فسينشغل الجمهور بأفلام موسم عيد الفطر الأحدث. هذه المعادلة ستظلم تحديدا فيلم "غش الزوجية" للمخرج أحمد البدري والمؤلف لؤي السيد، والذي كان مرشحا لو عرض في موسم طبيعي لتحقيق إيرادات أكبر مما حققها.

فبطل الفيلم رامز جلال لا يمكن وصفه بأنه نجم شباك من التصنيف الأول، وأسمه وحده غير كاف لتحقيق إيرادات مرتفعة بشكل تلقائي، لكنه قادر دائما على جمع الحد الأدنى من الأرباح الذي يكفل له الحصول على تمويل لفيلمه التالي. هذا الوضع كان قابلا بشدة للتغيير مع "عش الزوجية" الذي ينتمي لنوعية قليلا ما تتواجد في شباك التذاكر المصري، وهي الأفلام التي تجمع إيرادات متصاعدة أو شبه ثابتة بناءا على السمعة الطيبة التي تحققها بين الجمهور، في اختلاف كبير عن الصورة التقليدية لسلم الإيرادات التنازلي المعتمد على جمع أكبر قدر ممكن من الأموال خلال أول أسبوعي عرض.

وعلى مدار الثلاثة أسابيع الماضية كان أول تعليق يأتي من معظم مشاهدي الفيلم هو أنه عمل مضحك جدا، وهي سمعة كانت كفيلة بالطبع في ظل السوق السينمائي المصري أن يحافظ الفيلم على إيرادات أسبوعية شبه ثابتة تقدر بحوالي المليوني جنيه، وهو رقم جيد جدا بالنسبة لبطل الفيلم كان مرشحا للزيادة لولا بدء الشهر الكريم.
لاحظ هنا أن التقييم "التجاري" للفيلم وحركته صعودا أو هبوطا في جداول الإيرادات لا علاقة لها بالقييم "الفني"، فآخر عنصر يمكن أن يؤثر في شباك التذاكر المصري هو مدى جودة العمل السينمائية أو التقديرات النقدية له، وتبقى السمعة المتعلقة بقدر التسلية والإضحاك مع اسم النجم البطل دائما هي المعايير الحقيقية للنجاح الجماهيري. وهي معايير يمكننا أن نقول بضمير مستريح أن فيلم "غش الزوجية" قد استوفى الكثير منها على الرغم من المشكلات الفنية التي يعاني منها.

نموذج الإمتاع الأمريكي

الفيلم يعتمد في سعيه لتحقيق الهدف الإمتاعي على النموذج الأمريكي لفيلم الكوميديا الرومانسية، وهو النموذج الذي صار خلال الألفية الجديدة الأكثر شيوعا بين كتاب السينما المصريين المحبين لاستلهام النماذج الدرامية الغربية؛ ربما لمتطلبات إنتاجية تجعله الأصلح للنقل طبقا لحجم الإنفاق المتواضع على الفيلم المصري بالمقارنة بنظيره الأمريكي، أو لسبب ثقافي هو وجود رابط مشترك بين شكل وطبيعة العلاقات الرومانسية في العالم كله بما يتيح تمصير بعض الحكايات الغربية إلى صورة قابلة للحدوث في إطار المجتمع المصري.

ونموذج فيلم الكوميديا الرومانسية الأمريكي يعتمد في بناءه على دراما تصاعدية من ثلاثة فصول، يدور فصلها الأول عادة حول طريقة التعارف بين رجل وامرأة يبدوان للوهلة الأولى أبعد ما يمكن عن التناغم أو الوقوع في حب بعضهما البعض لينتهي الفصل بما يجبرهما على دخول علاقة تبدو فاشلة قبل أن تبدأ. ثم يأتي الفصل الثاني الذي نشاهد فيه التتابعات الكوميدية لهذه العلاقة المستحيلة لينتهي بتغير موقف البطلين من بعضهما داخليا بصورة تظل غير معلنة. قبل أن يبدأ الفصل الختامي والذي تتعرض فيه علاقتهما لمحنة أو اختبار حقيقي يضعها على المحك ليكتشفا أنهما بالفعل يحتاجان لبعضهما؛ ليستنتجا ومعهما الجمهور قيمة ما تتعلق بالحب ويخرج الجميع سعداء بانتصار الحب وإعلاء قيمه.

النموذج السابق ينتهجه صناع فيلم "غش الزوجية" بصورة شبه كاملة في الفصلين الأول والثاني من العمل. فنتعرف على شخصية حازم (رامز جلال) ابن مدير الشركة الذي يحب تصوير الإعلانات ويستغل جاذبيته وذكاءه في إقامة علاقات نسائية تدعم أعمال شركته، والذي يجبره والده (حسن حسني) على الزواج من سلمى (إيمي سمير غانم) لاعبة كرة القدم الكارهة للزواج من أجل الحصول على موافقة والدها مدير البنك (يوسف فوزي) على منح الوالد قرضا ينقذه من الإفلاس. التناقض الواضح للشخصيتين وصعوبة تصور نجاح زواجهما الذي قام على الخداع من الطرفين يدفعان الحكاية نحو الفصل الثاني الأكثر إثارة للضحكات.

عيوب مصرية أزلية

وإذا تغاضينا عن الضعف المنطقي في الحدث المفجر للحكاية برمتها، والذي جاءت فيه موافقة الشاب فيه على الزيجة بصورة أيسر من أن تحدث في الواقع بالنسبة لشاب مثله من المفترض طبقا لبناء شخصيته أنه قادر على إيجاد حلول أخرى لمشكلة والده المالية، وهي مشكلة تمصير أزلية يمكن التغاضي عنها باعتبارنا بصدد عمل كوميدي يعتمد بالأساس على المبالغات وعدم الالتزام بالمنطقية الكاملة، فإن عيوب التمصير المعتادة تظهر بوضوح تام في فصل الفيلم الثاني قبل أن تبلغ ذروتها في الفصل الختامي.

فالمنطق الدرامي يفرض على كل من البطلين أن يحاول بقدر الإمكان الحفاظ على نمط حياته الذي يرتاح إليه والذي أجبر على تغييره رغما عن إرادته، وهو ما تقوم به سلمى بإصرارها على عدم اقتراب زوجها منها بل وادعاءها أمام والديها أنه عاجز جنسيا للتخلص منه. لكن على النقيض تجد تصرفات حازم الذي يستسلم تماما لحياته الجديدة قاصرا طموحه على إقناع زوجته بممارسة الجنس معه، وهو أمر سيصبح مقبولا في المستقبل عندما يكتشف حبه لها، لكنه يظل خارج نطاق المنطق تماما في المراحل الأولى للزواج، والتي ينسى صناع الفيلم فيها تماما علاقاته النسائية السابقة، قبل أن يعودون لتذكرها مع مطلع الفصل الأخير باستخراج شخصية لم تظهر سوى في مشهد وحيد ببداية الفيلم وإعطاءها قيمة درامية مرتفعة بشكل مفاجئ باعتبارها عشيقة حازم التي تظهر لتهدد الوئام المتصاعد بينه وبين زوجته.

الضربة الدرامية القاضية

ويأتي الفصل الأخير للحكاية بمثابة الانهيار الكامل لأي سلامة منطقية للدراما، فيتحول الصراع بين البطلين إلى صراع بين شخصيتين لا علاقة لهما بمن شاهدناهما طوال أحداث الفيلم، وتنقلب أزمة الزوج فجأة لكونه فاشلا لم يحقق شيئا في حياته بالرغم من أننا شاهدناه في البداية عبقريا في مهنته، وهناك بالطبع فارق كبير بين الفشل وعدم الالتزام لم ينتبه المؤلف له. وتكتشف البطلة حبه المكتوم لها عبر صور تجدها على هاتفه يفترض أنه قد صورها لها أثناء تسجيل هدف شاهدناه في الفيلم بينما كان حازم يحتفل به ولم يكن أبدا يلتقط هذه الصور!

ولا يقتصر الأمر على عيوب التمصير الدرامية، بل تتضاعف المشكلات عندما يقرر المؤلف لسبب ما أن يضيف انقلابا دراميا ختاميا على طريقة أفلام التشويق الأمريكية يفترض أن أزمة القرض قد حُلت قبل الزواج بأيام وأن الوالد قد ترك اللعبة تكتمل ليصلح من أخلاق ابنه. على الرغم من أن التفكير البسيط سيقود المشاهد للتأكد من استحالة حدوث كل هذه التبعات لو لم يكن البطل ووالده مؤمنين بضرورة إتمام الزيجة، بل أنه حتى لو افترضنا السلامة المنطقية فالأمر خارج بناء شخصية الأب الذي ظهر هو الآخر مستهترا فخورا بتصرفات ابنه.
لتكون النتيجة النهائية فيلما مسليا في نصفه الأول، الذي ظهر المخرج أحمد البدري فيه بصورة أفضل بكثير مما رأيناها منه في أعمال سابقة، فعلى الأقل قام بسرد حكاية مترابطة ومنطقية، قبل أن ينهار في النصف الثاني ليعاني من كل عيوب التمصير ويزيد عليها صناع الفيلم خللا جديدا ناتجا عن إعادة "أمركة" العمل، وكأنهم قد رفضوا أن "يكملوا جميلهم" بصناعة فيلم مسلي ومتماسك دراميا بما يوازي سمعته الجيدة بين مشاهديه.

No comments:

Post a Comment